فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{إِنَّمَا إلهكم الله}.
استئناف مسوق لتحقيق الحق إثر إبطال الباطل بتلوين الخطاب وتوجيهه إلى الكل أي إنما معبودكم المستحق للعبادة هو الله عز وجل: {الذى لا إله إِلاَّ هُوَ} وحده من غير أن يشاركه شيء من الأشياء بوجه من الوجوه التي من جملتها أحكام الألوهية.
وقرأ طلحة {الله إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العرش} {وَسِعَ كُلَّ شَىْء عِلْمًا} أي وسع علمه كل ما من شأنه أن يعلم فالشيء هنا شامل للموجود المعدوم وانتصب {عِلْمًا} على التمييز المحول عن الفاعل، والجملة بدل من الصلة كأنه قيل: إنما إلهكم الذي وسع كل شيء علمًا لا غيره كائنًا ما كان فيدخل فيه العجل الذي هو مثل في الغباوة دخولًا أوليًا.
وقرأ مجاهد وقتادة {واسع} بفتح السين مشددة فيكون انتصاب {عِلْمًا} على أنه مفعول ثان، ولما كان في القراءة الأولى فاعلًا معنى صح نقله بالتعدية إلى المفعولية كما تقول في خاف زيد عمرًا: خوفت زيدًا عمرًا أي جعلت زيدًا يخاف عمرًا فيكون المعنى هنا على هذا جعل علمه يسع كل شيء، لكن أنت تعلم أن الكلام ليس على ظاهره لأن علمه سبحانه غير مجعول ولا ينبغي أن يتوهم أن اقتضاء الذات له على تقدير الزيادة جعلًا وبهذا تم حديث موسى عليه السلام، وقوله تعالى: {كذلك نَقُصُّ عَلَيْكَ}.
كلام مستأنف خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الوعد الجميل بتنزيل أمثال ما مر من أنباء الأمم السالفة والجار والمجرور في موضع الصفة لمصدر مقدر أو الكاف في محل نصب صفة لذلك المصدر أي نقص عليك {مِنْ أَنْبَاء مَا قَدْ سَبَقَ} من الحوادث الماضية الجارية على الأمم الخالية قصًا كائنًا كذلك القص المار أو قصًا مثل ذلك، والتقديم للقصر المفيد لزيادة التعيين أي كذلك لا ناقصًا عنه، و{مِنْ أَنْبَاء} إما متعلق بمحذوف هو صفة للمفعول أي نقص عليك نبأ أو بعضًا كائنًا من أنباء.
وجوز أن يكون في حيز النصب على أنه مفعول {نَقُصُّ} باعتبار مضمونه أي نقص بعض أنباء، وتأخيره عن {عَلَيْكَ} لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، ويجوز أن يكون {كذلك نَقُصُّ} مثل قوله تعالى: {كذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] على أن الإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعد، وقد مر تحقيق ذلك.
وفائدة هذا القص توفير علمه عليه الصلاة والسلام وتكثير معجزاته وتسليته وتذكرة المستبصرين من أمته صلى الله عليه وسلم {وَقَدْ ءاتيناك مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا} كتابًا منطويًا على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقًا بالتذكر والتفكر فيه والاعتبار، و{مِنْ} متعلق بآتيناك، وتنكير ذكرًا للتفخيم، وتأخيره عن الجار والمجرور لما أن مرجع الإفادة في الجملة كون المؤتى من لدنه تعالى ذكرًا عظيمًا وقرآنًا كريمًا جمعًا لكل كمال لا كون ذلك الذكر مؤتى من لدنه عز وجل مع ما فيه من نوع طول بما بعده من الصفة.
وجوز أن يكون الجار والمجرور في موضع الحال من {ذِكْرًا} وليس بذاك، وتفسير الذكر بالقرآن هو الذي ذهب إليه الجمهور؛ وروى عن ابن زيد، وقال مقاتل: أي بيانًا ومآله ومآله ما ذكر، وقال أبو سهل: أي شرفًا وذكرا في الناس، ولا يلائمه قوله تعالى: {مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ} إذ الظاهر أن ضمير {عَنْهُ} للذكر، والجملة في موضع الصفة له، ولا يحسن وصف الشرف أو الذكر في الناس بذلك، وقيل: الضمير لله تعالى على سبيل الالتفات وهو خلاف الظاهر جدًا، و{مِنْ} إما شرطية أو موصولة أي من أعرض عن الذكر العظيم الشأن المستتبع لسعادة الدارين ولم يؤمن به {فَإِنَّهُ} أي المعرض عنه {يَحْمِلُ يَوْمَ القيامة وِزْرًا} أي عقوبة ثقيلة على إعراضه وسائر ذنوبه.
والوزر في الأصل يطلق على معنيين الحمل الثقيل والإثم، وإطلاقه على العقوبة نظرًا إلى المعنى الأول على سبيل الاستعارة المصرحة حيث شبهت العقوبة بالحمل الثقيل.
ثم استعير لها بقرينة ذكر يوم القيامة، ونظرًا إلى المعنى الثاني على سبيل المجاز المرسل من حيث أن العقوبة جزاء الاثم فهي لازمة له أو مسببة، والأول هو الأنسب بقوله تعالى: فيما بعد {وَسَاء} [طه: 101].. إلخ. لأنه ترشيح له، ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} [العنكبوت: 13] وتفسير الوزر بالإثم وحمل الكلام على حذف المضاف أي عقوبة أو جزاء إثم ليس بذاك.
وقرأت فرقة منهم داود بن رفيع {يَحْمِلُ} مشدد الميم مبنيًا للمفعول لأنه يكلف ذلك لا أنه يحمله طوعًا ويكون {وِزْرًا} على هذا مفعولًا ثانيًا.
{خالدين فِيهِ} أي في الوزر المراد منه العقوبة.
وجوز أن يكون الضمير لمصدر {يَحْمِلُ} [طه: 100] ونصب {خالدين} على الحال من المستكن في {يَحْمِلُ} [طه: 100] والجمع بالنظر إلى معنى {مِنْ} لما أن الخلود في النار مما يتحقق حال اجتماع أهلها كما أن الأفراد فيما سبق من الضمائر الثلاثة بالنظر إلى لفظها {وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ القيامة حِمْلًا} إنشاء للذم على أن ساء فعل ذم بمعنى بئس وهو أحد معنييه المشهورين، وفاعله على هذا هنا مستتر يعود على {حِمْلًا} الواقع تمييز الأعلى وزرًا لأن فاعل بئس لا يكون إلا ضميرًا مبهمًا يفسره التمييز العائد هو إليه وإن تأخر لأنه من خصائص هذا الباب والمخصوص بالذم محذوف والتقدير ساء حملهم حملًا وزرهم، ولام {لَهُمْ} للبيان كما في سقيًا له و{هيت لكَ} [يوسف: 23] وهي متعلقة بمحذوف كأنه قيل: لمن يقال هذا؟ فقيل: هو يقال لهم وفي شأنهم، وإعادة {يَوْمُ القيامة} لزيادة التقرير وتهويل الأمر، وجوز أن يكون {سَاء} بمعنى أحزن وهو المعنى الآخر من المعنيين؛ والتقدير على ما قيل وأحزنهم الوزر حال كونه حملًا لهم.
وتعقبه في الكشف بأنه أي فائدة فيه والوزر أدل على الثقل من قيده ثم التقييد بلهم مع الاستغناء عنه وتقديمه الذي لا يطابق المقام وحذف المفعول وبعد هذا كله لا يلائم ما سبق له الكلام ولا مبالغة في الوعيد بذلك بعدما تقدم ثم قال: وكذلك ما قاله العلامة الطيبي من أن المعنى وأحزنهم حمل الوزر على أن {حِمْلًا} تمييز واللام في {لَهُمْ} للبيان لما ذكر من فوان فخامة المعنى، وأن البيان إن كان لاختصاص الحمل بهم ففيه غنية، وإن كان لمحل الأحزان فلا كذلك طريق بيانية، وإن كان على أن هذا الوعيد لهم فليس موقعه قبل يوم القيامة وأن المناسب حينئذ وزرًا ساء لهم حملًا على الوصف لا هكذا معترضًا مؤكدًا انتهى.
ولا مجال لتوجيه الإتيان باللام إلى اعتبار التضمين لعدم تحقق فعل مما يلائم الفعل المذكور مناسبًا لها لأنها ظاهرة في الاختصاص النافع والفعل في الحدث الضار، والقول بازديادها كما في {رَدِفَ لَكُم} [النمل: 72] أو الحمل على التهكم تمحل لتصحيح اللفظ من غير داع إليه ويبقى معه أمر فخامة المعنى، والحاصل أن ما ذكر لا يساعده اللفظ ولا المعنى، وجوز أن يكون {سَاء} بمعنى قبح فقد ذكر استعماله بهذا المعنى وإن كان في كونه معنى حقيقيًا نظر، و{حِمْلًا} تمييزًا و{لَهُمْ} حالًا و{يَوْمُ القيامة} متعلقًا بالظرف أي قبح ذلك الوزر من جهة كونه حملًا لهم في يوم القيامة وفيه ما فيه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)}.
بين جل وعلا في هذه الآية: أن العجل الذي صنعه السامري من حلي القبط لا يمكن أن يكون إلهًا؟ وذلك لأنه حصر الإله أي المعبود بحق ب {إِنَّمَآ} التي هي أداة حصر على التحقيق في خالق السموات والأرض. الذي لا إله إلا هو. أي لا معبود بالحق إلا هو وحده جل وعلا، وهو الذي وسع كل شيء علمًا. وقوله: {عِلْمًا} تمييز محول عن الفاعل، أي وسع علمه كل شيء.
وما ذكره تعالى في هذه الآية الكريمة: من أنه تعالى هو الإله المعبود بحق دون غيره، وأنه وسع كل شيء علمًا ذكره في آيات كثيرة من كتابه تعالى. كقوله تعالى: {الله لاَ إله إِلاَّ هُو} [البقرة: 255] الآية، وقوله: {فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلأ الله} [محمد: 19] الآية إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله في إحاطة علمه بكل شيء: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرض وَلاَ فِي السماء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك ولا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس: 61]، وقوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البر والبحر وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرض وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: 59]، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًا.
{كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ}.
الكاف في قوله: {كذلك} في محل نصب على أنه نعت لمصدر محذوف، أي نقص عليك من أنباء ما سبق قصصًا مثل ذلك القصص الحسن الحق الذي قصصنا عليك عن موسى وهارون، وعن موسى وقومه والسامري. والظاهر أن {من} في قوله: {مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ} للتبعيض، ويفهم من ذلك أن بعضهم لم يقصص عليه خبره ويدل لهذا المفهوم قوله تعالى في سورة النساء: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء: 164] الآية، وقوله في سورة المؤمن: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78] الآية، وقوله في سورة إبراهيم {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات} [إبراهيم: 9] الآية. والأنباء: جمع نبأ وهو الخبر الذي له شأن.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أنه قص على نبيه صلى الله عليه وسلم أخبار الماضين. أي ليبين بذلك صدق نبوته، لأنه أمي لا يكتب ولا يقرأ الكتب، ولم يتعلم أخبار الأمم وقصصهم. فلولا أن الله أوحى إليه ذلك لما علمه بينه أيضًا في غير هذا الموضع، كقوله في آل عمران: {ذلك مِنْ أَنَبَاءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44] أي فلولا أن الله أوحى إليك ذلك لما كان لك علم به. وقوله تعالى في سورة هود أيضًا: {وَكُلًا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرسل مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120] الآية. وقوله تعالى في سورة يوسف: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أجمعوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف: 102]، وقوله في يوسف أيضًا: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هذا القرآن وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين} [يوسف: 3]، وقوله في القصص: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر} [القصص: 44]، وقوله فيها: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} [القصص: 46]، وقوله: {وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا في أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} [القصص: 45]، إلى غير ذلك من الآيات. يعني لم تكن حاضرًا يا نبي الله لتلك الوقائع، فلولا أن الله أوحى إليك ذلك لما علمته. وقوله: {مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ} أي أخبار ما مضى من أحوال الأمم والرسل.
وقوله تعالى: {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا} أي أعطيناك من عندنا ذكرًا وهو هذا القرآن العظيم، وقد دلت على ذلك آيات من كتاب الله. كقوله: {وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} [الأنبياء: 50]، وقوله تعالى: {ذلك نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ والذكر الحكيم} [آل عمران: 58]، وقوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ استمعوه وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2] وقوله: {وَقَالُواْ يا أيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6]، وقوله تعالى: {ص والقرآن ذِي الذكر} [ص: 1]، وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] الآية، وقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] إلى غير ذلك من الآيات.
وقال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة: ثم في تسمية القرآن بالذكر وجوه:
أحدها أنه كتاب فيه ذكر ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم.
وثانيها أنه يذكر أنواع آلاء الله ونعمائه تعالى. ففيه التذكير والمواعظ.
وثالثها أنه فيه الذكر والشرف لك ولقومك على ما قال: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}.
واعلم أن الله تعالى سمى كل كتبه ذكرًا فقال: {فاسألوا أَهْلَ الذكر} [النحل: 43]. اهـ المراد من كلام الرازي.
ويدل للوجه الثاني في كلامه قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ليدبروا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الألباب} [ص: 29]، وقوله تعالى: {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوعيد لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113].
{مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من أعرض عن هذا الذكر الذي هو القرآن العظيم، أي صد وأدبر عنه، ولم يعمل بما فيه من الحلال والحرام، والآداب والمكارم، ولم يعتقد ما فيه من العقائد ويعتبر بما فيه من القصص والأمثال، ونحو ذلك فإنه يحمل يوم القيامة وزرًا، قال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة: يريد بالوزر العقوبة الثقيلة الباهظة. سماها وزرًا تشبيهًا في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها، بالحمل الذي يفدح الحامل وينقض ظهره، ويلقي عليه بهره. أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: قد دلت آيات كثيرة من كتاب الله: على أن المجرمين يأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم. أي أثقال ذنوبهم على ظهورهم. كقوله في سورة الأنعام: {قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاءِ الله حتى إِذَا جَاءَتْهُمُ الساعة بَغْتَةً قَالُواْ ياحسرتنا على مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام: 31]، وقوله في النحل: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25]، وقوله في العنكبوت: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القيامة عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [العنكبوت: 13]، وقوله في فاطر: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} [فاطر: 18].
وبهذه الآيات التي ذكرنا وأمثالها في القرآن تعلم أن معنى قوله تعالى: {فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القيامة وِزْرا}، وقوله: {وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ القيامة حِمْلًا} أن المراد بذلك الوزر المحمول أثقال ذنوبهم وكفرهم يأتون يوم القيامة يحملونها: سواء قلنا إن أعمالهم السيئة تتجسم في أقبح صورة وأنتنها، أو غير ذلك كما تقدم إيضاحه. والعلم عند الله. وقد قدمنا عمل {ساء} التي بمعنى يئس مرارًا. فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهِ}.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: {خَالِدِينَ فِيهِ} يريد مقيمين فيه، أي في جزائه، وجزاؤه جهنم.
تنبيه:
إفراد الضمير في قوله: {أَعْرَضَ}، وقوله: {فَإِنَّهُ} وقوله: {يحمل} باعتبار لفظ {من} وأما جمع {خالدين} وضمير لهم {يَوْمَ القيامة} فباعتبار معنى من كقوله: {وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ} [الطلاق: 11] الآية، وقوله: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ} [الجن: 23] الآية.
وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة: فإن قلت: اللام في {لهم} ما هي؟ وبم تتعلق؟ قلت: هي للبيان كما في {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23]. اهـ.